مواكبة العصر


ترجمة وتدقيق: جعفر وقاف 

 

مقدمة المترجم: 

لعلَّ أبرز ما يميِّز عصرنا الحالي الانفتاح اليسير والمتزايد على شبكة الانترنت و ما يعترضنا بشكل متكرر خلال تصفّحه من أفلام وألعاب فيديو و رسوم متحركة. عادةً ما تُلحِق النظرة الشعبية السائدة بممارسات العصر المتماشية مع هذا الانفتاح صفات التسخيف والتهميش - ففي هذا الفيلم تضليلٌ لجيل، و في تلك اللعبة مَضيعة للوقت، و في ذلك البرنامج الكرتوني محض لعب أطفال. 

 

لكن ماذا لو علمنا أن تلك الأفلام و الألعاب و البرامج هي وسائط منافسة اقتصادية بين قوى عظمى تتنافس لكسب مكانة على الساحة الدولية عبر اجتذاب واستثمار المودة الشعبية لدول أُخرى؟ أليس من الأجدر أن يعي المتابع الشعبي السوري أهمية استثمار تلك الوسائط بما يعود بالفائدة عليه و على من حوله بدلاً من تسخيفها وتهميشها؟ أليس جيل الشباب السوري الجديد بحاجة إلى تعزيز مكانته و هويته العالمية التي لا تلبث أن تتبلور في ظل الانفتاح الواضح و اليسير على الانترنت و منتجات الثقافة الشعبية العالمية من أفلام و ألعاب فيديو و رسوم متحركة؟ 

 

ما يلي مقال مترجم مقتبس عن صحيفة "Japan Times" اليابانية يمثّل تلك المنافسة الاقتصادية العالمية في قطاعات ألعاب الفيديو و الرسوم المتحركة  بين الصين و الاتحاد الأوروبي من جهة، و اليابان من جهة أُخرى. 

 

*************** 

 

إن مطامح الصين و الاتحاد الأوروبي في مجال ألعاب الفيديو تهدد بالتصدر على اليابان إذ تستثمر ثقافة ممارسة الألعاب لتعزيز "قوتها الناعمة"، و على طوكيو توخي الحيطة و الحذر. 

تلعب اليابان دوراً يفوق حجمها في مجال الثقافة الشعبية العالمية المتمثلة بألعاب الفيديو و الرسوم المتحركة أو ما يعرف شعبياً بالـ "الأنمي"، في حين يروِّج البعض في الصين لتلك الوسائط الشعبية سبلاً لتعزيز ثقافة البلد و كسب مودات و صداقات لصالحه. 

 

اهتز عالم ألعاب الفيديو في اليابان مؤخراً على وقع خبر اعتقال "يوجي ناكا" بتهمة الإتجار و التداول الداخلي. ناكا هو أحد مبتكري سلسلة "Sonic the Hedgehog" أو ما يعرف شعبياً في بلداننا العربية بـ "سونيك القنفذ السريع". 

 

ربما لهذا التدهور المتوقع لاسمٍ تاريخيّ يعود إلى تسعينيات القرن الماضي معنىً رمزي يفوق التوقعات، تماماً كما قد يُصعَق البعض في قطاع صناعة الألعاب لقراءة تعليق في صحيفة "الشعب الصيني اليوم" خلال أسبوع نبأ الاعتقال؛ تعليقٌ يدعو الصين إلى تعزيز تخطيطها الاستراتيجي في قطاع صناعة الألعاب باعتبارها وسيلة قد تلعب دوراً هاماً في "الترويج للثقافة الصينية" و تحسين أثر البلد الثقافي على العالم. 

 

لا غرابة في غيرة الصين من القوة الناعمة لجارتها الأصغر، فرغم الحاجز الثقافي اللغوي تلعب اليابان دوراً يفوق حجمها في قطاعات الثقافة الشعبية المتمثلة بألعاب الفيديو و الرسوم المتحركة (الأنمي): الأداة التي أثبتت جدارتها في كسب علاقات صداقة و الحفاظ على مكانة دولية فترة تدهور قوتها الاقتصادية. 

 

ذلك قطاع صناعي آخر كغيره من القطاعات التي ترغب الصين باستحواذها، و هو هدف لم يعد غريباً على المستوى الشعبي المحلي. نأخذ مثالاً على ذلك لعبة فانتازيا "Genshin Impact" التي حازت على شعبية عالمية كبيرة على أجهزة الموبايل، و ذلك لما تبدو عليه من "يابانيّةِ" الشكل و المضمون. إلا أن مصدر صناعتها و تطويرها صيني، و نالت اللعبة منذ إعلان صدورها جائزة أفضل لعبة موبايل في حدث متميز لقطاع صناعة الألعاب و حققت عائدات بلغت 1.3 بليون دولار العام الماضي. 

 

يُذكَر أن الصين ليست وحدها في تلك المطامح و الغايات، بل حتى الاتحاد الاوروبي يخطط في هذا المضمار؛ حيث مرر البرلمان الاوروبي مؤخراً مرسوماً تشريعياً يدعو إلى استراتيجية في قطاع صناعة الألعاب للترويج لما دعاه بـ "القيَم الأوروبية". يهدف المرسوم إلى تقديم الحوافز و الدعوات نحو استراتيجية قومية اوروبية شاملة لتنمية حقوق الملكية الفكرية. 

 

على اليابان تطوير استراتيجية تدعم و تنمّي القطاع على أثر الإجراءات الصينية والأوروبية فيه، و ذلك من خلال اتخاذ إجراءات رفع الحوافز و الإعفاء الضريبي و الحث على مهارات التعليم التي يفتقرها القطاع و تشجيع المشاركين الجدد فيه. 

 

إن الراتب المعاشي القليل في اليابان مشكلة أًُخرى، إذ يبلغ متوسط معاش العامل المتمرس في قطاع صناعة الألعاب حوالي 5.5 مليون ين ياباني (يعادل 40.000 دولار) سنوياً و هو أجر ضئيل مع اعتبار ساعات العمل الطويلة و الظروف المعيشية القاسية لدرجة أن العمل أضحى مهنة هواية أكثر منه مهنة عمل. أضف إلى ذلك فجوة المعاشات التي تفسح مجالاً لاستديوهات صناعة الألعاب الصينية بتصيد مطوري الألعاب اليابانيين عبر تزويدهم بمعاشات عالية. مثال على أولئك المطورين منتج سلسلة ألعاب "Yakuza" الشهيرة على منصة و أجهزة "SEGA" الذي تعاقد مع شركة "NetEase Inc" الصينية - و هذا واحد من مئات المطورين الآخرين. 

 

ينطبق ذات السياق على قطاع صناعة الرسوم المتحركة اليابانية، حيث بدأ الكثير من العاملين فيه بالتعبير عن قلقهم حيال عروض و طلبات استديوهات صينية و كورية لتبنّي وشراء ما دعته بـ "الأنمي ذو الطابع الفني الياباني". 

 

تبدو الحكومة اليابانية راضية لحصاد فوائد قوتها الناعمة بملايين السياح و المعجبين المتأثرين بثقافتها دون أن تتكلف الكثير على القطاع . 

************** 

خاتمة المترجم:

على خلفية المقال السابق نتساءل: ماذا عن سوريا و الشباب السوري الصاعد؟ لا نقارن بين سوريا و الدول المذكورة لأن ظروف البلدان الخاصة تختلف، و لا نحصر ظروف و توجهات الشباب السوري ضمن القطاعات المذكورة فقط، إنما نحاول تسليط الأضواء على قطاعات عمل تتماشى مع عصرنا الحالي: قطاعاتٌ لطالما أُلحِقَت بها صفات تسخيف و تهميش لا تنمُّ عن استثمار تنموي يتماشى مع ظروف و متطلبات العصر.

 

 

أخبار ذات صلة